محرر مجلة"جينس"العسكرية وخبير"الناتو" بروكس تيغنر: نحن أمام عراق آخر، ونحن نريد الأدلة على جريمة النظام السوري لأن المسلحين يمكنهم استخدام "السارين" والحصول عليه بسهولة
31 آب 2013 19:08 عدد القراءات 12138
وسيم ابراهيم / باريس
برغم كل سخونة حديث الضربة العسكرية المتوقعة، هناك صمت في بروكسل. السؤال الذي يتردد: لماذا لم يتحرك وزراء الخارجية الأوروبيون لعقد اجتماع استثنائي، ما داموا فعلوا ذلك مؤخراً بعد فض اعتصامي جماعة «الإخوان المسلمين» في القاهرة. لا جواب مقنعا، خصوصاً أن توقعات العمل العسكري، وإن تذبذبت، لا تزال في المنطقة الحمراء. هل سينتهي الصمت بعد تقرير الأمم المتحدة؟
لكن قبل ذلك، هل الضربة العسكرية قادمة لا محالة؟ نتوجه بالسؤال للخبير الأميركي في الشؤون العسكرية بروكس تغنر. الرجل كبير خبراء مؤسسة «أمن أوروبا»، ومحلل في أسبوعية «جينس» الأميركية الشهيرة والمتخصصة بالشؤون الدفاعية.
ويقول تغنر لـ«السفير»، بعد لحظة صمت «أعتقد أن الأمر برمته يعتمد على كم ستكون الأدلة مقنعة وحاسمة أمام الجمهور، وهذا العبء يقع على الامم المتحدة وعواصم الغرب. حالياً نسمع موقف زعماء كبار، مثل الرئيس الأميركي باراك اوباما، يقولون إن نظام الرئيس السوري بشار الاسد استخدم الأسلحة الكيميائية».
ويتابع الخبير بعدما اتسعت ابتسامته «حسناً، ولكن أين الأدلة. السلسلة التي تربط الحدث بمرتكب الجريمة لم تثبت بعد، وإن أثبتت فهي لم تقدم إلى الجمهور. حتى يحدث هذا، فالشكوك ستبقى تراودني بأننا أمام عراق آخر. أنا لا أقول إن الولايات المتحدة وحلفاءها يفعلون ذلك، لكن هذه الذاكرة التاريخية تبقى قضية حساسة، وعليهم دحض فكرة أنها محاولة لخدعة أخرى».
نستوقف تغنر، فكل الحديث يدور الآن على خلفية وكأن قرار الضربة اتخذ. ولكنه يجيب «إن تم استخدام تلك الأسلحة من طرف النظام، فبالطبع هناك مبرر لعمل عسكري أجنبي، اعتماداً على القانون الدولي، وعلى الحجج المقدمة من عواصم الغرب. إذا لم يقوموا برد فعل، فسيكون أمامنا وضع معقد للغاية، لأن ذلك يعني أن المتمردين هم من استخدموا السلاح الكيميائي».
هنا يضحك تغنر، كمقدمة ليوضح معرفته التامة أن لديه وجهة نظر مختلفة، ويكمل «القول ببساطة إن المتمردين لا يمكنهم الحصول على الاسلحة الكيميائية ليس سوى حجة زائفة. مثلاً غاز السارين، فمن جهة صنعه سهل، ويمكن نقله وإدخاله إلى البلد، ثم ان أنظمة ضربه ليست بالضرورة معتمدة على معدات عسكرية كبيرة ومعقدة ومتطورة، كما تجادل الولايات المتحدة عندما تعلن أن الجيش السوري فقط هو من يملك وسائل إطلاقه. الواقع أنه يمكن تركيبه على أنظمة أسلحة صغيرة نوعاً ما، أو يمكن استخدامه عبر جهاز موقّت».
ويتابع شارحاً «ما أعنيه أن ثمة العديد من الطرق الأخرى لاطلاق قنابل كيميائية في ضواحي دمشق. إذاً، حتى يتم اثبات أنها ضربت محمولة على صواريخ الجيش السوري بالفعل، أعتقد بصراحة أن الغرب على أرض ضعيفة لاطلاق عملية ضد سوريا».
عملياً، كما يوضح المحلل العسكري، يمكن لاسبانيا وايطاليا والمانيا المساعدة عسكرياً في الضربة. ولكن الرغبة السياسية «غير موجودة بأي حال» لدى برلين، والرأي العام في عموم اوروبا، «لا يدعم بالضرورة تحركا كهذا».
يدعم استطلاع عينة من عابري شوارع بروكسل التقدير السابق. بعض المارة رفض التعليق، وآخرون اكتفوا بالقول إنهم يعارضون من حيث المبدأ الحلول العسكرية.
قابلنا ثلاثة اصحاب، وعندما سمعوا السؤال حول سوريا دفعوا بزميلهم على أنه الأمثل للرد. رادس سناندر، شاب من أصل صربي في أواخر العشرينات، وكان يسكن في العاصمة بلغراد عندما قصفها حلف الأطلسي، أثناء حرب كوسفو في العام 1999.
ويقول بوجه عابس بعدما تذكّر تلك الايام «لماذا يجب أن يعاقب البلد كله بسبب بعض السيئين. العنف لا يجلب دائماً سوى العنف، وأي أزمة يجب حلها بالمفاوضات والطرق السلمية». وبعد تأييده، يشدد صاحباه على أنه «لا يوجد أدلة حتى الآن تثبت من المسؤول عن استخدام الكيميائي في سوريا».
ذكر الامم المتحدة كمرجع للفصل يمر على ألسنة الكثيرين، ومن بينهم البلجيكية بريجيت ديلبو، الأربعينية التي تعمل محررة في دار نشر. وإن كان آخر ما تنتظره هو الحديث عن حرب، لكنها تساند التدخل العسكري في حالة واحدة، قائلة «على الامم المتحدة استكمال تحقيقها. إذا رأت أن السلاح الكيميائي استخدم، وووافقت على الرد عسكريا، فعلينا عندها الذهاب للرد».
عين العالم مفتوحة على ما ستقوله الامم المتحدة. في آخر اجتماع لسفراء حلف الأطلسي، طلبت سبع دول، من بينها المانيا واسبانيا، ألا يتم القفز إلى نتائج فوق التحقيقات الاممية. لذلك، يرى تغنر، المواكب منذ سنوات طويلة لعمليات الاطلسي، أن بيان أمينه العام اندرس فوغ راسموسن أمس الأول كان لافتاً.
راسموسن حمّل النظام السوري مسؤولية استخدام الكيميائي، متجاوزاً عادته في استخدام كلمات دقيقة وحذرة جداً.
ما ستقوله الامم المتحدة سيشكل سنداً صلباً لحديث الولايات المتحدة وحلفائها أمام رأيهم العام، فانتهاك القانون الدولي يسوق، منذ البداية، كبديل يكافئ الشرعية الدولية. السؤال هل سيكون هذا كافياً لاعطاء الضوء الأخضر، خصوصاً أن تعاطي ادارة اوباما مع أزمة سوريا لم يظهر أنها من هواة «صعود الشجرة»؟
"السفير"
(*) ـ الصور و العنوان من "الحقيقة"